أقبل الليل كئيباً لا ملامح له ، والوادي سجين وسط جبال شامخة تسامر الليل، وتحت أقدامها تقبع عشش وبيوت صغيرة ظللها السكون والصمت بعد أن ذهب كل الى فراشه لينام
وفجأة تحول السكون الى صرخات مدوية رددت الجبال والوديان صداها وأخذت الرياح تنثرها على كل مسمع
أفاق الجميع وأقبلوا يتهافتون على بعضهم ليتحققوا من مصدر تلك الصرخات المبهمة ، حتى قادهم الصدى صوب عشة صغيرة ،طينية الجدران كرتونية السقف.
تمددت بداخلها جثة أب لأربعة أطفال وزوجه.
وصل الجميع ووقفوا يحملقون في تلك الزوجة المقتولة بفاجعة موت زوجها والى أولئك الأطفال الذين يجهلون ما يحدث في عشتهم .
وتطلق الزوجة صرخة أخرى أقوى بكثير من تلك التي نقلها لهم صدى الجبل عندما أخرج الزوج محمولاً من ذلك العش الجميل الذي بنياه سوياً وتعاهدا فيه على على كل شئ رائع.
ظلت حزينة ومتألمة لكنها رغم الفاجعة إلا أنها لم تسلم أمرها وصغارها لليأس والحزن بل أن المأساة زرعت في نفسها معنى القوة والكفاح والتصدي للطمات الزمن .
وتبدأ الأم بالعمل في الحقل نهاراً وعلى آلة الخياطة ليلاً لتحمي فلذات أكبادها من مصادقة؛ الجوع والحرمان.
وظلت الأم تمنح شبابها لصغارها بكل تفان وإخلاص ولم تكن تهتم .
أرهقها الزمن حتى انزلقت قدماها نحو هاوية الشيخوخة المبكرة
وهاهي اليوم تفرح كما لم تفرح من قبل ، وتلقى ثمرة كفاحها وكدها بنجاح ولدها الأكبر في الثانوية العامه وحصوله على منحة تؤهله للدراسة في أي بلد
حول الولد رفض المنحه وقرر مساعدة والدته في العمل من اجل بقية إخوته لكن رفضت الأم وبشدة وفضلت أن
تكمل واجبها وتجعل من ولدها رمزاً تفتخر به عندما يرجع إليها طبيباً ناجحاً.
ويستعد محمد للسفر ليفارق أسرته للمرة الأولى.
وتستمر الأم في العمل تصبر نفسها بتلك الكلمات التي كان يخطها لها ولدها مع بداية كل شهر.
مزقها المرض ، وأهلكتها الشيخوخة لكنها ظلت تعمل وتعمل .
ومرت بها السنون مسرعة حتى جاء ت لحظة عودة ولدها ، فراحت تعلق ببيتها الزينات وتضئ فيه الأنوار استقبالا للعائد الذي غاب سبع سنوات .
لكن تبدلت الفرحة والسرور بالحزن والدموع وتبدلت الأنوار بصرخات رددتها جبال الفاجعة الأولى
ويصل محمد بعد فراق طويل ليجد والدته جثة هامدة لا حراك فيها فقلبها الهزيل لم يستطع تحمل فرحة العودة
وبموتها بدأت مع محمد رحلة كفاح ومعاناة أخرى.